[center]السيرة الهلالية في بيت السحيمي
فيض من الروحانيات والبطولات والملاحم
ما بين باحة المسجد الحسيني وباحة بيت السحيمي بالقاهرة شارع مكتظ بالبشرالذين اتوا من قلب القرى والنجوع والأحياء الشعبية تهفو نفوسهم الى نفحة روحانية فى ليالي رمضان او يطلقون لمخيلتهم الشعبية العنان لتحلق في أجواء أسطورية حيث البطولات وزمن الفرسان الاوائل وحكايات من ماضي العرب التليد.
ففي داخل بيت السحيمي الأثري تمتلئ قاعته الصغيرة كل ليلة بجمهورمن مختلف الاعمار والمهن يتابعون سيرة ابو زيد الهلالي ذلك البطل الذى صار رمزا لتحدي الصعاب فترتفع وتهبط دقات قلوبهم من جبال ووديان نجد وصولا الى تونس الخضراء مع إيقاع غناء سيد الضوي ويعبرونها بخيالهم مع كلمات الشاعر عبد الرحمن الابنودي.
على جنبات القاعة العتيقة تتراص مجموعات الشباب الصغير فيما ازدحمت بقية القاعة برجال ونساء فى العقدين الثالث والرابع يجاورهم على المقاعد بعض أسر حرصت على قضاء أمسية رمضانية في حضرة السيرة الهلالية.
وفي دفء حميم يحكي الأبنودي للحضور فصولاً من سيرة »أبو زيد الهلالي« وهي السيرة التي تتبعها في كل موطن والتى حمل الأبنودي على عاتقه، مهمة حفظ نصوصها من الاندثار، فى ظل رحيل عدد غير قليل من رواتها.
وهو إنجاز كبير يحسب له.يحكي الأبنودي مقطعا ويصاحبه بالغناء سيد الضوي وذلك في مزاوجة درامية لافتة لنسمع تكسر النصال على النصال وتصاعد أصوات المعارك التي خاضها أبو زيد الهلالي المتجسد أمام هذا الجمهور الجديد بكل ملامح البطل المنتظر.
واللافت ان هذا الجمهوريتضمن قطاعاً عريضاً من الشباب ما يمكن تسميته »الولع بالسيرة الهلالية«. ومنبع الشغف والاهتمام لا يعود إلى الوقائع بقدر ما يرجع بالأساس إلى طرق رواية هذه السيرة البطولية التي تجسد في نظر عشاقها.
وجود بطل قادر على توحيد الأمة فى مواجهة الاخطار فسيرة بني هلال تعد واحدة من أعظم الملاحم الشعبية في التراث العربي والتي كانت وما تزال تروى في أمسيات السمر في ليالي الريف وأيام حصاد القمح أو الأمسيات في الأحياء الشعبية مما يبعث الأمل الدائم فى عودة البطل المفقود.
حكاية ابوزيد تأخذ بتلابيب الحضور سواء التقديم الساحر للأبنودي اوالغناء الشفاف للضوي القادم من قريته القابعة فى أحضان مدينة قوص التابعة لمحافظة قنا جنوب مصر ليضيء لياليها بفنه الأصيل، جاء ليروي مع الأبنودي فصولا من سيرة البطل الملحمي وصراعه مع الوحوش فى الفلاوات، والجان فى جبال الربع الخالي، وتغريبته إلى تونس الخضراء، بحثا عن المرعى فى سنين القحط، وحربه مع القبائل من أجل توحيد العرب على كلمة سواء.
يذكر أن السيرة الهلالية هي إحدى السير الشعبية التي تحكي على ربابة الشعراء واقعة تاريخية حدثت فى القرن الخامس الهجرى ـــ إلى الحادي عشر الميلادى ـــ وهي هجرة بدو الجزيرة من نجد الى تونس الخضراء والجانب الايجابي للحملة الهلالية هي تقريب المغرب العربي فالفتح الاسلامي ادخل المغرب العربى فى الإسلام ولكنه لم يعربه انما عربته حروب بني هلال.
وقد صدر عن السيرة الهلالية لشاعر العامية الكبير عبد الرحمن الأبنودي أربعة مجلدات عن مكتبة الاسرة شاركت في إصدارها دار أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي وتتناول هذه المجلدات سيرة خضرة الشريفة وما جرى لها من أهوال في قبائل بني هلال كما تتناول سيرة أبو زيد في أرض العلامات وما جرى له وعلو شأنه في بلاد الزحلان وسيرة السلطان سرحان .
وكذلك سيرة الأمير رزق وما تعرض له على يد حنظل السلطان وغيرها من سير أبطال السيرة الهلالية فقبل انتشار الراديو وقبل انتشار الكهرباء في المدن والقرى والنجوع المصرية كان يوجد ما سمي بالراوي يستعين به أصحاب المقاهي في المساء..
ويأتي الراوي في المساء ومعه الربابة ويبدأ أمسيته بالصلاة على النبي ثم يشرع في قص السير وتاريخ الأبطال الشعبيين وطريقة القص أحيانا كلام مرسل ثم يغني بعضه بالاستعانة بالربابة ليعود إلى القص المرسل مرة أخرى..
وانتشرت في هذه الفترة الكثير من السير ولكن تظل أشهر هذه السير على الإطلاق السيرة الهلالية بأشخاصها وأحداثها والتي بذل الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي جهدا كبيرا في سبيل تجميع هذه السيرة وجاب في سبيل ذلك البلاد سواء في الصعيد أو الوجه البحري .
واستمع وسجل للكثير من الرواة الذين اختلفت رواياتهم ولم تتطابق كما اختلفت مصادرهم حتى أن بعضهم أصر على أنه ألهم بما يقول وقد سجل عبد الرحمن الأبنودي الذي سجل في بداية هذه المجلدات شكره لشعراء هذه الملحمة التاريخية الخالدة والذين رحلوا عن عالمنا دون أن تتوافر في عهودهم آلات التسجيل فدفنت روايتهم معهم كما سجل الابنودي أيضا شكره إلى المغنيين الشعبيين.